سورة النجم - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النجم)


        


{إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)}
{إِنْ هُوَ} أي ما الذي ينطق به من ذلك أو القرآن وكل ذلك مفهوم من السياق {إِلاَّ وَحْىٌ} من الله عز وجل: {يُوحَى} يوحيه سبحانه إليه، والجملة صفة مؤكدة لوحي رافعة لاحتمال المجاز مفيدة للاستمرار التجددي، وقيل: ضمير {يَنطِقُ} للقرآن فالآية كقوله تعالى: {هذا كتابنا يَنطِقُ عَلَيْكُم بالحق} [الجاثية: 29] وهو خلاف الظاهر، وقيل: المراد ما يصدر نطقه عليه الصلاة والسلام مطلقًا عن هوى وهو عائد لما ينطق به مطلقًا أيضًا.
واحتج بالآية على هذا التفسير من لم ير الاجتهاد له عليه الصلاة والسلام كأبي علي الجبائي. وابنه أبي هاشم، ووجه الاحتجاج أن الله تعالى أخبر بأن جميع ما ينطق به وحي وما كان عن اجتهاد ليس بوحي فليس مما ينطق، وأجيب بأن الله تعالى إذا سوغ له عليه الصلاة والسلام الاجتهاد كان الاجتهاد وما يسند إليه وحيًا لا نطقًا عن الهوى، وحاصله منع كبر القياس، واعترض عليه بأنه يلزم أن تكون الأحكام التي تستنبطها المجتهدون بالقياس وحيًا، وأجيب بأن النبي عليه الصلاة والسلام أوحى إليه أن يجتهد بخلاف غيره من المجتهدين، وقال القاضي البيضاوي: إنه حينئذ بالوحي لا وحي، وتعقبه صاحب الكشف بأنه غير قادح لأنه نزلة أن يقول الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: متى ما ظننت بكذا فهو حكمي أي كل ما ألقيته في قلبك فهو مرادي فيكون وحيًا حقيقة، والظاهر أن الآية واردة في أمر التنزيل بخصوصه وإن كان مثله الأحاديث القدسية والاستدلال بها على أنه عليه الصلاة والسلام غير متعبد بالوحي محوج لارتكاب خلاف الظاهر وتكلف في دفع نظر البيضاوي عليه الرحمة كما لا يخفى على المنصف، ولا يبعد عندي أن يحمل قوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى} على العموم بأن من يرى الاجتهاد له عليه الصلاة والسلام كالإمام أحمد. وأبي يوسف عليهما الرحمة لا يقول بأن ما ينطق به صلى الله عليه وسلم مما أدى إليه اجتهاده صادر عن هوى النفس وشهوتها حاشا حضرة الرسالة عن ذلك وإنما يقول هو واسطة بين ذلك وبين الوحي ويجعل الضمير في قوله سبحانه: {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ} للقرآن على أن الكلام جواب سؤال مقدر كأنه قيل: إذا كان شأنه عليه الصلاة والسلام أنه ما ينطق عن الهوى فما هذا القرآن الذي جاء به وخالف فيه ما عليه قومه واستمال به قلوب كثير من الناس وكثرت فيه الأقاويل؟ فقيل: ما هو إلا وحي يوحيه الله عز وجل إليه صلى الله عليه وسلم فتأمل، وفي الكشف أن في قوله تعالى: {مَا يَنطِقُ} مضارعًا مع قوله سبحانه: {مَا ضَلَّ} {وَمَا غوى} ما يدل على أنه عليه الصلاة والسلام حيث لم يكن له سابقة غواية وضلال منذ تميز وقبل تحنكه واستنبائه لم يكن له نطق عن الهوى كيف وقد تحنك ونبىء، وفيه حث لهم على أن يشاهدوا منطقه الحكيم.


{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)}
{عِلْمِهِ} الضمير للرسول والمفعول الثاني محذوف أي القرآن، أو الوحي، وجوز أبو حيان كون الضمير للقرآن، وأن المفعول الأول محذوف أي علمه الرسول عليه الصلاة والسلام {شَدِيدُ القوى} هو جبريل عليه السلام كما قال ابن عباس. وقتادة. والربيع، فإنه الواسطة في إبداء الخوارق وناهيك دليلًا على شدة قوته أنه قلع قرئ قوم لوط من الماء الأسود الذي تحت الثرى وحملها على جناحه ورفعها إلى السماء ثم قلبها، وصاح بثمود صيحة فأصبحوا جاثمين وكان هبوطه على الأنبياء عليهم السلام وصعوده في أسرع من رجعة الطرف، فهو لعمري أسرع من حركة ضياء الشمس على ما قرروه في الحكمة الجديدة.


{ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6)}
{ذُو مِرَّةٍ} ذو حصافة واستحاكم في العقل كما قال بعضهم، فكأن الأول وصف بقوّة الفعل، وهذا وصف بقوّة النظر والعقل لكن قيل: إن ذاك بيان لما وضع له اللفظ فإن العرب تقول لكل قوى العقل والرأي {ذُو مِرَّةٍ} من أمررت الحبل إذا أحكمت فتله. وإلا فوصف الملك ثله غير ظاهر فهو كناية عن ظهور الآثار البدعية، وعن سعيد بن المسيب ذو حكمة لأن كلام الحكماء متين، وروى الطستي أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عنه فقال: ذو شدة في أمر الله عز وجل واستشهد له، وحكى الطيبي عنه أنه قال: ذو منظر حسن واستصوبه الطبري، وفي معناه قول مجاهد، ذو خلق حسن: وهو في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوىّ» عنى ذي قوة، وفي الكشف إن المِرّة لأنها في الأصل تدل على المرة بعد المرة تدل على زيادة القوة فلا تغفل {فاستوى} أي فاستقام على صورته التي خلقه الله تعالى عليها وذلك عند حراء في مبادي النبوة وكان له عليه الصلاة والسلام كما في حديث أخرجه الإمام أحمد. وعبد بن حميد. وجماعة عن ابن مسعود ستمائة جناح كل جناح منها يسد الأفق فالاستواء هاهنا عنى اعتدال الشيء في ذاته كما قال الراغب، وهو المراد بالاستقامة لا ضد الإعوجاج، ومنه استوى الثمر إذا نضج، وفي الكلام على ما قال الخفاجي: طي لأن وصفه عليه السلام بالقوة وبعض صفات البشر يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه في غير هيئته الحقيقية وهذا تفصيل لجواب سؤال مقدر كأنه قيل: فهل رآه على صورته الحقيقية: فقيل؟ نعم رآه فاستوى الخ، وفي «الإرشاد» أنه عطف على علمه بطريق التفسير فإنه إلى قوله تعالى: {مَا أوحى} باين لكيفة التعليم، وتعقب بأن الكيفية غير منحصرة فيما ذكر، ومن هنا قيل: إن الفاء للسببية فإن تشكله عليه السلام بشكله يتسبب عن قوته وقدرته على الخوارق أو عاطف على {عِلْمِهِ} على مكعنى علمه على غير صورته الأصلية، ثم استوى على صورته الأصلية وتعقب بأنه لا يتم به التئام الكلام ويحسن به النظام، وقيل: استوى عنى ارتفع والعطف على علم، والمعنى ارتفع إلى السماء بعد أن علمه وأكثر الآثار تقتضي ما تقدم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8